يعتقد على نطاق واسع بأن رئيس الوزراء المنصرف، توني بلير، ينظر صوب الولايات المتحدة طمعا في أن تلهمه وتعرض عليه فرصا للعمل.
وفي الوقت الذي أثرت فيه علاقة بلير بالولايات المتحدة سلبا على مكانته داخل بريطانيا، تقتضي رغبته في مواصلة نفوذه على الساحة الدولية احتمال قضائه المزيد من الوقت في هذه الجهة من المحيط الأطلسي في المستقبل.
فمن المحتمل أن يشغل منصب مبعوث الرباعية الدولية - الولايات المتحدة، الاتحاد الأوروبي، روسيا، والأمم المتحدة- للشرق الأوسط كما ذكرته تقارير مؤخرا بأن البيت الأبيض الأمريكي عرض عليه ذلك.
لكن من الأرجح أن تكون الولايات المتحدة مصدر رزقه فور انصرافه عن منصبه الأسبوع المقبل.
فعلى الرغم من سخط الشعب الأمريكي على الحرب على العراق، ما زال الأمريكيون يحبون بلير.
"إن الأغلبية تكن له التقدير بصفته صديق للولايات المتحدة وزعيم سياسي محنك"، على حد قول دانييل بنجامين، مدير برنامج الولايات المتحدة وأوروبا في معهد بروكينجس الأمريكي.
"أعتقد بأن توني بلير سيبقى محل إعجاب هنا بشكل أكبر مما يلقاه في بلاده، خاصة على المدى القريب".
على خطى كلينتن
ويعتقد بأن للرئيس الأمريكي الأسبق، بيل كلينتن، نفوذا كبيرا على قرارات رئيس الوزراء البريطاني المنصرف بينما يتأمل هذا الأخير خطوته المهنية المقبلة.
فهناك تشابه بين الرجلين، بحيث تنازلا كلاهما عن السلطة في سن الـ 55 عاما.
وفي الأعوام الأخيرة، أنشأ كلينتن مؤسسة تعمل في مجالات قريبة من قلبه، مثل تفشي الإيدز في العالم النامي.
ويجنى كلينتن أموالا هائلة من كتاب سيرته الذاتية "حياتي" الذي سجل مبيعات قياسية، بالإضافة إلى المحاضرات السياسية التي يلقيها في الجامعات الأمريكية.
ويعتقد بأن الرئيس الأمريكي الأسبق جنى حوالي 40 مليون دولار مقابل المحاضرات التي ألقاها خلال السنوات الست الماضية.
ويقول الخبراء إنه بوسع بلير أن يكسب أموالا كبيرة أيضا بتقديم محاضرات ودروسا يطلب مقابلها عشرات الآلاف من الدولارات كل مرة.
ويتوقع الكثيرون من أنه سينظم إلى وكالة "ذي هاري وولكر أيجانسي" التي تتخذ من نيويورك مقرا لها وتشمل على أسماء نخبة من الشخصيات البارزة عالميا، بما فيها عقيلة بلير نفسه، شيري، والأمين العام للأمم المتحدة السابق، كوفي عنان، والنجم المغني بونو من فريق يوتو.
عروض عمل
خيار آخر لدى بلير هو التدريس. فهناك العديد من الجامعات الأمريكية المرموقة التي تود ضم اسم بلير إلى قائمة العاملين فيها.
فجامعة جورج تاون بواشنطن لم تتأخر في توظيف صديقه رئيس الوزراء الإسباني الأسبق، خوسي ماريا أزنار، عندما خسر منصبه عام 2004.
وقدم أزنار دروسا ومحاضرات حول موضوع الإرهاب، والسياسة الأوروبية، والعلاقات الأوروبية الأمريكية.
ويبدو عميد كلية الشؤون الخارجية بالجامعة، روبرت جالوتشي، شغوفا بتوظيف بلير.
وامتدح جالوتشي بلير قائلا : "إنه فصيح وذكي كما أنه كان في صميم العديد من القرارات السياسية الكبيرة مما يجعله يملك الكثير من المعلومات التي يمكن أن يستفيد منها طلابنا وكليتنا".
"إنه سيجلب معلومات قيمة للغاية لجورج تاون".
غصن زيتون
كما تلقى بلير عروض عمل من جهات غير متوقعة.
ففي الوقت الذي انتقد فيه الرئيس الأمريكي الأسبق، جيمي كارتر، توني بلير لدعمه "الأعمى" للحرب على العراق، إلا أنه أقترح أن تتعامل مؤسسته "مركز كارتر" مع بلير إذا ما شكل هذا الأخير مؤسسته الخاصة في مجال الشؤون الدولية كما يتوقع.
وقال كارتر:"إنني آمل في أن نتمكن من تشكيل تحالف. بحيث نعمل معا من أجل هدف بديهي وهو المساهمة في إقامة السلام في الشرق الأوسط".
يشار إلى أن كارتر الذي فاز بجائزة نوبل للسلام عام 2002، أنشأ مركزه في اتلانتا بجورجيا، منذ مغادرته البيت الأبيض قبل 25 سنة.
... أو يشكل مؤسسة استشارية مثلما فعل كارتر
يدير مركز كارتر برامج في حوالي 70 بلدا - نصفها تقريبا في أفريقيا- تركز في مجملها على حل النزاعات، ونشر الديمقراطية ، والصحة العامة.
وقال موظف بريطاني في المركز، بول إمرسون، إنه يعتقد بأن بلير "في موقف ممتاز" ليحذو حذو كارتر في أفريقيا عندما يغادر السلطة.
وقال إمرسون: "إننا نعلم بأنه ملتزم (بأفريقيا) من خلال رئاسته لجماعة الثمانية قبل عامين ومن خلال عمله من أجل إعفاء الديون. إنه حقا حاول وضع أفريقيا والتنمية الأفريقية ضمن أولوياته".
الخطوة المقبلة
وفيما ينتهي عهد بلير في المملكة المتحدة، بات واضحا بأن رئيس الوزراء البريطاني السابق مقبل على فترة جديدة تأخذه إلى أماكن متفرقة من العالم.
وبقضاء وقت خارج بريطانيا سيدحض بلير الاتهامات بـأنه ينوي "قيادة السيارة من المقعد الخلفي" في شؤون الحكومة، الشيء الذي اتهمت به رئيسة الوزراء البريطانية السابقة، مارغريت ثاتشر، بعد ما أجبرت على التنحي من الحكم.
وسيتفطن بلير، مثله مثل سلفه، إلى أن قضاء بعض الوقت في الولايات المتحدة سيملأ حسابه البنكي ويعزز ذاته.
ويتوقع أن يعود بلير في وقت لاحق من السنة الجارية إلى واشنطن ليسلمه الرئيس جورج دابليو بوش وسام الكونجرس الأمريكي الذهبي في حفل خاص بمقر مجلس النواب الأمريكي.
فقد منحه المشرعون الأمريكيون أرفع وسام مدني عام 2003 اعترافا بدوره كـ "حليف قوي وثابت" للولايات المتحدة.
وهكذا تصبح صياغة بداية علاقة بلير الجديدة مع الولايات المتحدة بشكل أفضل مهمة صعبة!