أهلاً بسدنة الفكر , وأقطاب المعرفة.
العبقرية : أقصد بها جانب الخير الممتد في كل الجوانب الروحية والعقائدية والفكرية العقلانية .
الإلحاد : أقصد به جانب الشر الممتد في كل الجوانب الروحية والعقائدية والفكرية اللا عقلانية.
والشك هو إصطدام معتقد أو رؤية أو فكر برؤية أو معتقد أو فكر جديد .
وهو عادة ما ينشأ في المجتمعات القمعية أُحادية الرؤية و الفكر , فعندما تصطدم أى فكرة أو رؤية جديدة بتلك العقول البريئة تُحدثُ فيها هزة عنيفة قد تكون نهايتها جيدة وقد تكون سيئة.
الشك أنواع
هناك الشك الذاتي الذي تصنعه العقول العبقرية والذكية والحكيمة جداً
مثل إبراهيم ولقمان عليهما السلام
والنبي الكريم عندما إجتاحته موجة من الشك فإعتكف في غار حراء " قُبيل النبوة "
والشك الآتي من مصادر أخرى كالدين مثلاً.
والشك العدمي وهو إعمال العقل خارج إطار العقل : أى بطريقة لا عقلانية.
***
ينقسم الشك لقسمين
شك إيجابي : وهو نفي الشك بالشك
وهذه فلسفة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في غار حراء.
وفلسفة إبراهيم عليه السلام في تساؤلاته مع الطبيعة.
شك سلبي : وهو إثبات الشك بالشك وهذه فلسفة إبليس الذي يُثير قضايا ميتافيزيقية في نفوس
وعقول محدودة الإمكانات والإرادة العقلية والإدراكية فتتحول للإلحاد
***
لا شك أن الإسلام هو أول من أرسى قواعد الشك العقلاني بقواعده وأسسه الصحيحة عن طريق العديد
من القصص القرآنية كتساؤلات إبراهيم مع الطبيعة وقول النبي صلى الله عليه وسلم " نحنُ أحق بالشك من إبراهيم "
بدا الإسلام في إرساء قواعد الشك عبر إثارة العقل وإستنهاضه وحثه على عدم ركونه وإستسلامه للثقافات البدائية ومخلفات المجتمعات القديمة وعدم الإقتناع بالإرث الفكري الإجتماعي المتوارث والقائم على التبرير الببغائي الخالي من الحقائق العقلانية والراكنة للأسطرة والخرافات السابقة
بآيات مثل
" إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون " "مقتدون".
"أفلا تتفكرون "
" أفلا تعقلون "
" أفلا يعقلون "
" أفلا ينظرون "
" أليس منكم رجل رشيد "
وهو يهدف بعبقريته المحكمة من وراء تلك الأسئلة وهذه الإثارة للإنطلاق بالعقل الإنساني لآفاق فكرية مفتوحة تبحث عن الحقيقة هنا أوهناك 00الحقيقة فقط لا غير.
والناظر لتاريخ الدعوة في بداياتها يجد أن الثورة الدينية لم تقم على القوة أو السيف لإعتناق هذا الدين
بل بإدخال منهج جديد هو منهج الشك والتشكيك في كل الثقافات القديمة البالية التي كان يعتنقها الناس بالسليقة اللا عقلية في تحدٍ عقلي صريح وواضح لأفضلية هذا الدين في قيادة العالم وصناعة الإنسان.
ومن العباقرة الأوائل الذين أرسو قاعدة الشك عبر التأملات العميقة أو التساؤلات الحارة جداً التي كانوا يوجهونها للنبي .
عمر بن الخطاب
وعبد الله بن عباس
وحُذيفة بن اليمان
وفي فترات لاحقة للعصر الذهبي للإسلام سار على هذا النهج عباقرة آخرون مُثيرون لروح البحث والتقصي
يقول أبي حامد الغذالي
" " الشك أولى مراتب اليقين ... من لم يشك لم ينظر، ومن لم ينظر لم يبصر، ومن لم يبصر يبقى في العمى والضلال "
ومنهم ابن سينا وابن رشد والجاحظ وغيرهم .
يقول الجاحظ " وبعد هذا فأعرف مواضع الشك وحالاتها الموجبة له لتعرف بها مواضع اليقين والحالات الموجبة له, وتعلم الشك في المشكوك فيه تعلما, فلو لم يكن في ذلك إلا تعرف التوقف ثم التثبت, لقد كان ذلك مما يحتاج إليه "
إلى أن جاء المذهب الصوفي الذي دمر الرصيد الفكري والحضاري الريادي للمسلمين بإحتلاله مقعد الشك , ليصنع كسلاً فكرياً وعلمياً وحضارياً أمتد في شكل فراغ فكري وعلمي حتى الآن.
***
إن العلامة الحقيقية للإرادة والسمة الأساسية للتطور المكتمل للأمم هي أن تمتلك إمكانية الشك.
وإذا نحن علمنا قاعدة أن :
أن العالِم لا يهدأ من الشك
وأن الجاهل قليلاً ما يشك
والغبي يشك بشكل أقل من الجاهل
وأن المجنون لا يشك أبداً
سنعلم مدى الجهل والغباء الذي يدور في فلكه العالم الإسلامي والعربي اليوم.
***
يُعتبر الفرنسي رينيه ديكارت أبو الفلسفة النقدية الحديثة الخاضعة لمنهج الشك.
يقول :
" أنا أشك إذا أنا أفكر ، وأنا أفكر إذا أنا موجود ".
"لن نقبل بعد اليوم أى فكرة إلا بعد أن نضعها على محك التفحص العقلى أو الغربلة المنهجية وسوف نشك فى كل شىء حتى نثبت صحته"
"الشك خطوة ضرورية لا بد من اتخاذها فخبرتي بالخطأ وتعرضي له منذ عهد بعيد واحتمال تجدده بفعل تلك الأحكام التي خضعت لها ولم أتبين صحتها، سواء كانت أحكاماً فرضها الغير، من معلمين، أو مرشدين، أو من وكّل إليهم أمري، أم أحكاماً فرضها عليّ الحس أو الخيال-وتعرضها للخطأ معروف- إن كل هذا يدعوني إلى الشك"
ويقول أيضاً:
"لقد كنا أطفالاً قبل أن نصبح رجالاً، وحيث أننا قد أصبنا أحياناً، وأخطأنا أحياناً أخرى في أحكامنا على الأشياء المعروضة لحواسنا، عندما كنا لم نصل بعد إلى تكوين عقولنا، فإن هناك ثمة أحكاماً كثيرة، تسرعنا في إصدارها على الأشياء ربما تحول دون بلوغنا الحق، وعلقت بعقولنا قبل التيقن منها، حتى أنه لم يعد هناك أمل في التخلص منها إلا إذا شرعنا مرة أخرى في حياتنا إلى وضع جميع الأشياء التي قد تنطوي على أقل قسط من الريبة موضع الشك "