وعد الله عز وجل، بنصر أوليائه من المؤمنين في الأرض ولو بعد حين (وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ).. (الروم: من الآية47)، وتكفّل بحفظ القرآن العظيم (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ).. (الحجر:9)، وتعهّد بنصر رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم (إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئينَ).. (الحجر:95)، و(فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).. (البقرة: من الآية137).
ووعد الله تبارك وتعالى (ووعده الحق) أن يخرج الحي من الميت، ومن الظلمات إلى النور، وأن يجعل بعد عسر يسرا، وبعد الضيق فرجا، (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا).. (الروم: من الآية19)، و(فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً).. (الشرح:5)
وبين يدي المسلمين اليوم فرصة ذهبية، مهّدها الله بقدرته وعظيم صنعه وتقديره، للمسلمين كافة.. على اختلاف ألوانهم ولغاتهم.. ومهّد لغيرهم من الأمم الأخرى فضول الاستماع لما يقوله المسلمون.
فالإساءة التي قامت بها إحدى الصحف اليمينية المتطرفة في الدنمرك من رسومات كاريكاتورية لا تليق بشخص الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم)، أثارت فتنة عظيمة في نفوس المسلمين، حتى ودّ البعض أن يوغل في الرد عليهم إلى حد القتل، وغيرها.
ولكن وقفة تأمل منّا قد تجعل من هذه الأزمة انفراجة طال انتظارها، وبركة ينشرها الله تبارك وتعالى بين الناس.
ويجب ألا تعمي الإساءة أعيننا عن اغتنام الفرصة، ويكفي أصحاب الرأي والهمة أن يتذكروا ما قاله عليه الصلاة والسلام حينما هجاه بعض الكفار، ذاكرين اسم "مذمم" بدلاً عن "محمد" زيادة في الذم. فكان قوله صلى الله عليه وسلم لصحابته الذين ساءهم مقالة الكفار "لا تعجبون كيف يصرف الله عني أذى قريش وسبهم، هم يشتمون مذمما وأنا محمد". رواه البخاري. فهم هنا رسموا رسومات لشخصيات وهمية في أذهانهم، وهي ليست - بلا شك- رسومات للنبي، عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
دون أن ننتقص من حق الرد على هذه الإساءة، مثلما حدث حين هجا بعض الكفار رسولنا الكريم (صلى الله عليه وسلم) فقال له حسان بن ثابت: "أتأذن لي يا رسول الله أن أهجوهم" فأذن له.
ولطالما كتب الله تبارك وتعالى، نصراً للدعوة ولدين الإسلام، خلال نائبات الدهر والأحداث الجسام، واستفاد الرسول (صلى الله عليه وسلم)، وصحابته، من ذلك، في نشر الدعوة، وتوصيل رسالة الدين إلى بقية الأمم، كمثل إسلام النجاشي (ملك الحبشة) في أضيق أوقات المسلمين من هجرتهم بعد طول إيذائهم. وحين كتب الله لرسالة نبيه الظهور والانتشار، بعد أن هاجر عليه الصلاة والسلام، من مكة المكرمة، مكرهاً، حين مكر كفارها لقتله. وضاقت به الأرض.. فكانت المدينة التي أنارها الرسول بوصوله أول موطئ لدولة الإسلام، التي انتشرت حتى وصلت أطراف الأرض.
ومنها دخول أعداد كبيرة من الناس في الإسلام بعد أن منعت قريش رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وصحابته من دخول مكة المكرمة للعمرة عام 6 للهجرة (عام الحديبية)، وضاقت الأرض على المسلمين، وقال عمر بن الخطاب للنبي (ألسنا على الحق وعدوّنا على الباطل..).. (الحديث) رواه البخاري. حيث استفاد عليه الصلاة والسلام من الهدنة التي وقعها مع قريش بعد تلك الواقعة، في تعزيز الإسلام ونشره بين الناس في المدينة، فيما كانت تقدم عليه أفواج من المسلمين من مكة وغيرها.
وما يجب أن يدركه المسلمون اليوم هو أن هذه المحنة التي أنزلها الله علينا، بداية خير كثير، لو استفاد منها المسلمون بطرق عديدة. وأن شعاعاً عظيماً من الأمل والنصر قد أشرق من جنباتها المظلمة. فماذا ننتظر؟
يقول الله تبارك وتعالى: (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ).. (يوسف:110).
اليوم.. يهتم الكثير من الغرب بما يحدث من إساءة لنبي المسلمين، ويترقبون ما يصدر عن المسلمين من أقوال وأفعال لا تخرج (في رأيهم) عن الإساءة للصحيفة والحكومة الدنمركية، والإساءة للنصارى ودينهم، والتهديد بالقتل والوعيد بالثأر، بما فيها المحاكمات القضائية، فضلاً عن المنحى الرسمي الذي يتخذ طابع "التنديد والاستنكار!".
وقد استطاع الإعلام العربي والإسلامي (على اختلاف وسائله المتلفزة والمطبوعة والإذاعية والإلكترونية) أن يحدث ضجة إعلامية حقيقية، أثارت فضول الملايين من الأمم الأخرى لمعرفة "ماذا سيقول المسلمون رداً عن هذه الإساءة العظيمة".
وهذه بحد ذاتها نعمة أنعمها الله تبارك وتعالى، أن جعل الأمم الأخرى مستعدة لسماع ما نقوله.. فماذا يجب أن نقول؟
هنا يجب أن يغتنم المسلمون هذه النعمة العظيمة، وينتقلوا من حالة "الدفاع عن الرسول" بالطرق التقليدية، إلى "حالة الهجوم"، بالطرق غير التقليدية.
وأن يصبح توجههم إلى الغرب بهدف "الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنى".. وهناك درس عظيم في تاريخنا يمكن الرجوع إليه، والاستفادة منه في تحقيق هذه الغاية، فكما قال صلى الله عليه وسلم "لأن يهدي الله بك أحداً، خير لك من حمر النعم".
وهي قصة إسلام النجاشي على يد جعفر بن أبي طالب (رضي الله عنه)، عندما استطاع أن يوجد خطاباً دعوياً بالغ الرقي، يخاطب به ملكاً يدين بالنصرانية، أدخله في الإسلام ببركة الحدث والوقت والخطاب التي هيأها الله تبارك وتعالى.
الخطاب الذي ينتظره النصارى من المسلمين اليوم، خطاباً يحمل في طياته انتقاصاً من دينهم، وإساءة لأحبارهم ورهبانهم، وهجوماً على معتقداتهم وأفكارهم.. يحمل في طياته حقداً وتهديداً وتطرفاً..
فلم لا نجعل خطابنا لهم، سهماً نطلقه بعناية، لعلّ الله أن يمنّ علينا بنصر في الأرض، ونور من ظلام، وصدّ عن نبينا بدخول أمم أخرى في دين نبينا (صلى الله عليه وسلم).
ولعل ذلك يتأتى - بإذن الله- بخطاب يتضمن ما تضمنه كلام جعفر بن أبي طالب، من عرض المشترك بين دين الإسلام، والمسيحية التي يؤمن بها غالبية أهل الغرب، وعرض الآيات من القرآن الكريم، وسنة نبيه المصطفى (صلى الله عليه وسلم) التي تحث المسلمين وتأمرهم باحترام نبي الله عيسى (عليه السلام) وأمه الصديقة (عليها السلام)، وغيرها.
وأذكر أنني حضرت خطبة جمعة في مسجد، التقينا بعدها برجل أمريكي أسلم حديثاً، فحدّثنا عن إسلامه، وأنه كان في طائرة يجلس إلى جانبه رجل مسلم، دخلا في نقاش حول الأديان، فذهل عندما سمع من المسلم قوله "عيسى عليه السلام"، و"مريم العذراء عليها السلام" فسأله، أومؤمن أنت بما تقول؟.. فقال له المسلم "نعم.. قرآننا وديننا يأمرنا بذلك"، وعرض عليه ما يقوله القرآن ونبي الله في عيسى (عليه السلام) وأمه الطاهرة، وأخبره أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال في حديثه الصحيح: "إن الله منزل عيسى (عليه السلام) في آخر الزمان، يدعو الناس إلى عبادة الله الواحد، على ملة أبينا إبراهيم. وتحاشى ذكر أن المسيح سوف يدعو إلى الإسلام "وقد كان إبراهيم حنيفاً مسلماً كما أخبرنا الله تبارك وتعالى"، تحاشياً من نفور رفيقه الأمريكي، وتدرّجاً معه في الدعوة إلى الإسلام، فبدأ الأمريكي في قبول الدين الإسلامي على أنه دين سماوي، وأزال الحاجز الذي بداخله ضد كل ما هو مسلم، فكانت هذه بداية طريق هدايته، فكان أن فتح الله قلبه للإسلام بعد أن اطلع على تعاليمه وأوامره وأخلاقياته وأخلاقيات الرسول (صلى الله عليه وسلم).
الدعوة مفتوحة لجميع المسلمين، في مشارق الأرض ومغاربها، بكل لغاتهم، بتوجيه رسائل دعوية، لا تتضمن إلا ما يقرّب النصارى من دين الإسلام، وما يكشف لهم من تقارب بين الدين الإسلامي والمسيحية التي يؤمنون بها، وما يحمل كل احترام لنبي الله عيسى (عليه السلام)، ومريم (عليها السلام).
كأن تتضمن نصاً من هذا القبيل، موجّه إلى النصارى، يترجم إلى لغات عدة، وينشر في كل المنتديات الغربية، ويرسل إلى أكبر قدر من القوائم البريدية:
تحاول بعض الجهات المتطرفة إيجاد حالة من الخلاف بين المسلمين والنصارى، بتشويه صورة نبي الإسلام محمد (صلى الله عليه وسلم) ويتحجج البعض منهم أن الدين المسيحي بأمرهم بذلك.. رغم أن ديننا الإسلامي يأمرنا باحترام نبي الله عيسى (عليه السلام)، وأمه مريم العذراء (عليها السلام) حيث يقول قرآننا الكريم: (إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ).. (النساء: من الآية171).
ويقول عن مريم العذراء: (وَإِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ) (آل عمران:42)
ويقول نبينا محمد (صلى الله عليه وسلم): "ما كملت من النساء إلا أربع" وذكر أول واحدة منهن مريم العذراء.
وأعلمنا نبينا (صلى الله عليه وسلم) أن الله تبارك وتعالى، سيرسل عيسى (عليه السلام) آخر الزمان، فيقاتل الشر، ويدعو الناس إلى عبادة الله الواحد الأحد، على ملة أبينا إبراهيم (عليه السلام).فندعوك يا من تدين بالطاعة لله عز وجل، وتقر بعبوديتك له، وولائك للمسيح عيسى (عليه السلام) بأن تساهم في التصدي لحملات التشويه التي تنال من نبي الإسلام محمد (صلى الله عليه وسلم) راجياً أن يكون ذلك مما يؤلف بين قلوبنا، ويرضي الله تبارك وتعالى عنا، حيث قال الله تبارك وتعالى في كتابه: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ).. (آل عمران: من الآية64) صدق الله العظيم.